صغيرٌ هو جميلٌ

السبت, 24.02.18, 19:30

الأحد, 15.07.18

:

مُتاح

لمعلومات إضافية:

04-6030800

شارك

صغيرٌ هو جميلٌ

الميل الياباني لتقدير الأغراض الصغيرة منها على الكبيرة قد تطور على مر العصور وله جذور عملية ودينية. اليابان دولة جُزرية ذات موارد محدودة وعدد سكاني كبير. لذلك، فإن
استخدام الأغراض الكبيرة غير ممكن. كذلك كان لمفهوم التقليلية في الفلسفة البوذية تأثيرا كبيرا على عدد واسع من الفنون.

كتب الباحث اللغوي الياباني أونو سوسومو Ôno Susumu) 1919-2008) في مقالته "تطور الوعي الجمالي والياباني" Biishiki no Hattatsu to nihongo, Tokyo: Risô-sha 483, 1973))، أنه في اللغة اليابانية هناك مفاهيم تشهد على وجود قيم جمال مختلفة. واحدة منها تعبر عن الشعور الذي يجد الجمال في الأشياء الصغيرة والرقيقة. يقول أونو أن هذا الميل يعبَّر عنه باللغة اليابانية بكلمة تعني "جميل". معظم اليابانيين على دراية بالكلمة الإنجليزية beautiful، وعندما يُطلب منهم ترجمتها إلى اللغة اليابانية يفعلون ذلك على الفور ودون أي مشكلة. الكلمة الإنجليزية عادة ما تُتَرجَم إلى الكلمة اليابانية أوتسوكوشيي (utsukushii). هذه الكلمة كانت تستخدم بالفعل في فترة هيان (Heian 794-1185) بشكلها القديم أوتسوكوشي (utsukushi). لكن في تلك الأيام لم تكن تعني "جميل" بمعناها اليوم. في أنطولوجيا الشعر مانيوشو (Manyôshû; مجموعة عشرة آلاف أوراق الشجر)، التي تم تحريرها في القرن الثامن، الشاعر يامانوؤه نو أوكورا (Yamanoue no Okura; حوالي 660-733) يمدح ويقدر زوجته وأولاده بكلمة "أوتسوكوشي"، بقصد القول أنهم "أحباء". تظهر الكلمة أيضا في "قصة حطاب الخيزران" (Taketori monogatari; القرن العاشر) وفي "كتاب الوسادة" Makura no sôshi)) للكاتبة والشاعرة سيي شوناغون (Sei Shonagon; حوالي 966-1017 أو 1025). وفقا للكتاب يمكننا أن نتعلم أن معنى كلمة أوتوسوكوشي كان ولعا بالأشياء الصغيرة والهشة. تكتب شوناغون: "ليس مهما ما هو الشيء، كل شيء صغير هو محبوب". (nani mo nani mo, chihisaki mono, mina utsukushi). بعبارة أخرى، كانت كلمة أوتسوكوشي صفة تعبر عن المودة للأشياء الصغيرة.

في الفن الياباني التقليدي هناك بالفعل رغبة في تمجيد كل غرضٍ صغيرٍ وتحويله إلى إبداع فني ذو كمال جمالي. لم تتعارض المهارة التقنية العالية والدقة في التفاصيل للفنانين اليابانيين مع التعبير الشخصي وتفسير الأساطير، التقاليد الشعبية والدينية. الموتيفات المقدمة بواقعية، بفكاهة وحيوية مدهشة، تكشف عالما فلكلوريا غنيا يعد مصدرا لا ينضب لفهم العادات، الرموز، الأساطير والمفاهيم السائدة في عصرها.

كان الفنانين الأوائل الذين صمموا وزينوا أغراضا استعمالية صغيرة الحجم نحاتين لمشخصات المستمدة من عالم الدين. لذلك، فإن معظم المواضيع التي اختاروها كانت مرتبطة بالحياة الدينية: آلهة، شخصيات أسطورية وبشرية الذين رُفّعوا إلى مستوى الآلهة، شياطين وأرواح. وكلها مصحوبة أيضا بمشخصات حيوانات حقيقية وخيالية وأشكال من عالم الجماد والنبات التي كانت مرتبطة بالفنون الشعبية.

مهمة تصنيف المواضيع لمختلف الأعمال الفنية معقدة جدا. على سبيل المثال، الباذنجان الموصوف كثيرا في الفنون المصغرة هو أيضا رمز المرتبط مع عيد بون البوذي (;bon عيد استذكار الأرواح). في هذا العيد يتم وضع الباذنجان على الرف المُستخدم مذبحا للأرواح؛ الفأر الذي يزين صناديق إنرو (inrô; حافظة الختم)، تسوبا (tsuba; واقي معدني الذي يمنع اليد من الانزلاق إلى منطقة نصل السيف)، فوتشي-كاشيرا (fuchi-kashira; ملحقات لمقبض السيف) وكوزوكا (kozuka; يد للسكين الصغيرة الموضوعة في غمد السيف) هو واحد من اثني عشر الأبراج الصينية-اليابانية الذي يرافق الإله دايكوكو(Daikoku)، وهو واحد من سبعة آلهة الحظ. فأران يرمزان إلى أُسس الين واليانغ (yin-yang) المتعاكسان. بما أن الطبيعة كلها مقدسة لديانة الشنتو (Shintô) اليابانية وعالم الآلهة في كثير من الأحيان موازٍ للعالم الحقيقي، فإن الإشارة إلى هذه الأغراض الصغيرة والمزخرفة ليست مجرد جمالية.

عادة ما تكون حافظات الإنرو الصغيرة التي استُخدمت من القرن السابع عشر حتى القرن التاسع عشر، مصنوعة من خشب السرو الياباني المُغطى بطبقات ورنيش عديدة. تنقسم الحافظة إلى عدة حجيرات صغيرة تستخدم لحمل الختم الشخصي وعلى مر السنين أيضا لحمل الأدوية وغيرها من الأشياء الصغيرة. كانت تُربط بخيط حريري إلى الحزام الذي يحيط الكيمونو. على الجانب الآخر للخيط كان يُربط النتسكه، ووظيفته منع الإنرو من الانزلاق من الملابس. خرزة صغيرة تُعرف باسم أوجيمه (ojime)، مشكوكة على الخيط بين الإنرو والنتسكه، وظيفتها إغلاق الحافظة عن طريق دفعها نحو الإنرو. الإنرو وأغراض ورنيش أخرى مثل الكوغو (kogo; علبة البخور)، تم تصميمها وتزينها بأيدي فنانين موهوبين والرسومات على ظهورها تصور عالما مصغرا للطبيعة. في كثير من الأحيان أيضا تم منح خرزة الأوجيمه الصغيرة زخرفة خاصة.

تماثيل النتسكه (netsuke; ملحق مزخرف ومنحوت يُربط بخيط مع أغراض متنوعة مثل حمالة المفاتيح اليوم)، التي عادة ما تكون مصنوعة من الخشب أو العاج، كانت أغراضا بحجم بضعة سنتيمترات فقط. في الأصل كان النتسكه (نا- جذر, تسكه- ضم بشدة)، كما يوحي اسمه، غرضا بسيطا جدا. وبسرعة حاز هذا الغرض على اهتمام فني وأصبح تمثالا يعكس المواضيع المأخوذة من الفنون الشعبية، التقاليد الدينية، ومواضيع من الثقافة اليومية لفترة إيدو (Edo; 1600-1868). النتسكه كان يستخدم من قبل رجال جميع طبقات المجتمع ابتداءً من القرن الـ16, لكنه وصل إلى ذروة ازدهاره في هذه الفترة.

طور الفنانون اليابانيون تقنيات ممتازة بواسطتها استطاعوا وصف أصغر شيء بكل تفاصيله. فعلوا ذلك في الفنون الزخرفية مثل الورنيش، الأعمال المعدنية والخشبية. أولئك الذين تمكنوا من شراء هذه الأغراض الصغيرة، لا شك أنهم قدّروا العمل المستثمَر في هذه الأعمال التي ليس لها مثيل.

روح التقاليد، التي كرست الكثير من الاهتمام بالأشياء الصغيرة، لا تزال تحيا وتزدهر اليوم أيضا في الصناعة اليابانية، في التماثيل الصغيرة وفي الأغراض البسيطة التي تُربط بأشرطة للحقائب والهواتف المحمولة ويبدو أنها تحل محل النتسكه. في جميعها تظهر نفس المودة للتفاصيل الصغيرة.

د. إلانه زينجر بليين

لشراء التذاكر ومزيد من المعلومات يرجى ترك التفاصيل الخاصة بك