فن الشاي

الأحد, 05.02.17, 10:00

السبت, 22.07.17

:

مُتاح

لمعلومات إضافية:

04-8383554

شارك

أصل نبات الشاي (Camellia sinensis) هو جنوب شرق آسيا، عند نقطة اللقاء بين شمال الهند، شمال ميانمار، جنوب غرب الصين والتبت. تقول الأسطورة ان بوذا اكتشف فضائله عندما سقطت ورقة شاي في كوب الماء الذي كان يشربه. أسطورة أخرى تحكي عن راهب الزن داروما (بودهيدهارما)، الذي جلس للتأمل لمدة سبع سنوات في كهف ونتف رموش عينيه لكي لا يغفو. من رموشه التي وقعت على الأرض نبت الشاي.

في القرن الثامن، كان يستخدم الشاي لأغراض طبية، وعلى مر الزمن أصبح المشروب المفضل عند الصينيين. خلال فترة سونج (960-1279) أعتاد رهبان تشان (باليابانية، زن) شرب الشاي لتخفيف التعب بعد فترة طويلة من جلسات التأمل. تبنى رهبان تشان أيضا لوحات الحبر الأسود التي تجمع بين جمال الطبيعة والتنوير الإنساني في كل شكل من أشكال التعبير المجرد.

تم جلب شتلات الشاي إلى اليابان من الصين في عام 1191 من قبل الراهب البوذي ميوان إييساي ((1215-1141، أحد آباء الزن في اليابان. اعتمد اليابانيون أيضا جميع أنواع الفنون المتعلقة بالشاي، منها الزبديات الخزفية، لوحات الحبر، الهندسة المعمارية، الحدائق وغيرها. في القرن الـ15 إعداد وتقديم الشاي ترفع إلى شكل من اشكال الفن الراقي بشكل خاص. عدد من مختصي الجماليات طوروا فن الشاي إلى نهج حياة – ‘طريق الشاي‘ (سادو، تشادو). لقد وضعوا قواعد للّقاء الاجتماعي، فيه المضيف يعد وعاء شاي لعدد قليل من الضيوف. تحول اللقاء إلى حدث ذو أهمية ثقافية وجمالية وساهم في تطوير مجالات فنون مختلفة. ‘طريق الشاي‘، الذي يعرف في الغرب بـ‘حفل الشاي‘، تطور بطريقين مختلفين: حفل الشاي الأنيق، الذي تداوله الأرستقراطيون وتم في المباني والحدائق الفخمة، بوجود العديد من المدعوين؛ وحفل الشاي المتواضع، الذي كان متبعا في المقام الأول عند رهبان الزن، وشدد على القرب من الطبيعة والجمال في البساطة، وعليه يركز المعرض.

بيت الشاي المتواضع والحديقة إلى جانبه صُمموا من قبل معلمي الشاي لتوفير الأجواء المناسبة لهذا الحدث. تم بناء الهيكل من المواد الطبيعية مع الحفاظ على جودتها الطبيعية بنية خلق جو من البساطة. يتم ترك الألواح والأعمدة الخشبية أحيانا مع قشرتها، والجدران المصنوعة من الطين والقش، لا يتم دهنها. يصمم السقف من الخيزران عليه قشر واحيانا قش. على الأرض حصائر (تاتامي) تبث رائحة القش وعليها يجلس الضيوف. في الجدار يوجد محراب (توكونوما) تعلق في داخله لفافة مرسومة أو مخطوطة كليجرافيا إلى جانبها إناء زهور. ينحني الضيوف أمام اللفافة لإظهار تقديرهم للإبداع الفني ويجلسون على الحصيرة.

كل التفاصيل في إعداد الشاي تحظى بأهمية وعناية فائقة. المضيف يدخل الغرفة بخطوات محسوبة، يجلس أمام الضيوف وبحركات دقيقة وأنيقة يسكب الماء داخل وعاء الذي يوضع على الجمر المتقد. عندما يغلي الماء، يخفق لكل ضيف شراب من مسحوق الشاي الأخضر (ماتشه) بواسطة أداة تحريك مصنوعة من الخيزران. الانشغال في تفاصيل إعداد وشرب الشاي يهدف إلى بث شعور من الانسجام والسكينة على المضيف والضيوف. في اللقاء تشترك جميع الحواس. الضيوف يحسون بجسدهم نسيج التاتامي ووعاء الشاي المقدم لهم؛ يشمون رائحة القش وقطع الخشب العبق التي توضع على الفحم المتوهج؛ يسمعون الصوت القادم إلى أو الخارج من المنزل. يشاهدون المواد المصنوع منها المبنى، في الألوان المحيطة وفي الأغراض الفنية.

يتم اختيار جميع الأدوات الموجودة في الغرفة بعناية من قبل المضيف لتستخدم في الحدث المعين. زبدية الشاي هي الغرض الوحيد الذي ينتقل من يد المضيف إلى الضيف خلال اللقاء. بعد رشفة من الشاي، يستكشف الزائر جمال الزبدية. معظم زبديات الشاي المعروضة في المعرض انتجت بأسلوب يميز الذوق الجمالي لمعلمي الشاي ورهبان الزن. سن نو ريكيو (1522-1591)، متخصص جماليات ‘طريق الشاي‘، وجد في السكينة والبساطة وسائل تعبير جمالية. وقد أدت هذه القواعد إلى تنمية الذوق الياباني الذي يمكن تلخيصه في مفهومين أساسيين: وابي، يعني الشعور بالعزلة والبساطة، و سابي، ما يعني قديم، صدئ وعتيق. كانت هذه القيم أساسا للسادو ولابتكار أواني سيراميك مناسبة، بحيث كل واحدة منها لها شكل مختلف. وتتميز الأواني بالخشونة وعدم التوازن. على الرغم من أن الأواني تبدو غير مصممة كأنها صنعت من قبل قوى الطبيعة، لكنها تتميز بالبرجوازية والخيال وذات ميزات نحتية. يبدو أن الخزافين اليابانيين وجدوا الرضى بإحساس الخشونة والحالة العضوية الخام للمادة والأشكال الغير متناظرة التي ليس بها إحساس العمل بدولاب الفخار. زبديات الشاي، خصوصا زبديات الراكو، بسيطة، وبهذا تكمن قوتها. فهي ليست بعيدة عن المواد التي شُكلت منها، وتظهر فيها بصمة يد الفنان الذي أنتجها.

تم إنشاء سيراميك الراكو أول مرة بيد الخزاف ساساكي تشوجيرو ((1592-1516، الذي كان ابن المهاجر الكوري امييه سوكيي. سوكيي اشتغل في صنع القرميد أما تشوجيرو كان فنان نحت زخارف لأسطح قرميد المعابد وغيرها من المباني. ويقال ان معلم الشاي سن نو ريكيو رأى زخارف تشوجيرو وطلب منه تحضير أواني سادو له. هكذا بدأ تشوجيرو بإعداد زبديات شاي تحت إشراف ريكيو لهذا الهدف الخاص فقط. زبديات تشوجيرو تنقل شعور الشعبي والبساطة - الصفات التي تعكس جماليات الوابي، التي دفعها ريكيو حتى الكمال.

يتفق كثير من معلمي الشاي على أن زبديات راكو، وخصوصا تلك التي صنعها تشوجيرو، هي الأنسب من جميع الزبديات اليابانية للمطالب الجمالية لحفل الشاي. قد يكون هذا بسبب أن ريكيو أعطى تعليمات لتشوجيرو بشكل شخصي وأطلعه على الطريقة والشكل الذي يريد بواسطة أمثلة أعدها بالورق. هناك من يعتقد أن زبديات راكو معروفة في العالم كأعمال تشوجيرو، ولكنها تعكس في الواقع الذوق الشخصي لريكيو. زبديات راكو مصممة يدويا وليس بدولاب الخزف، بالتالي هي تعكس السمات الفردية للخزاف الذي ابتكرها. الطين المستخدم عادة لإنتاج سيراميك راكو مأخوذ من كيوتو. هو طين لين نسبيا وغني بالحديد الذي يمنحه الصلابة. تتميز زبديات راكو بجسم مستدير وشفة منكمشة قليلا. جدران الوعاء سميكة، ولكنه خفيف الوزن

ويحمي اليدين من سخونة المياه. يتم حرق الأواني في درجة حرارة منخفضة، مغطاة بطبقات مادة التزجيج مع محلول الرصاص. عادة زبديات الراكو تغطى بالتزجيج من الداخل والخارج على حد سواء، لكن في بعض الزبديات يتم ترك مناطق في الخارج مكشوفة وتحرق دون التزجيج. ألوان زبديات الراكو عادة الأحمر مغطى بالتزجيج الشفاف، الأسود والأبيض في بعض الأحيان. عملية حرق زبديات الراكو مماثلة لتلك التي تتم بحرق القرميد. الوعاء يُحرق في فرن بسيط له خلية واحدة، ما يمكِّن بناءه حتى في الفناء الخلفي للبيت. كل وعاء يحرق بشكل فردي أو في مجموعات صغيرة. التزجيج الأحمر يُحرق في حرارة 800 درجة مئوية، والأسود حوالي 1000 درجة مئوية. أوعية الراكو بالتزجيج الأسود-الرمادي تطابق تحديدا جمالية ريكيو. زبديات راكو نادرة الجمال حتى أنها حظيت بأسماء. الأكثر شهرة تنتمي إلى ريكيو.

بدأ استخدام اسم ‘راكو‘ عندما تلقى جوكيي، ابن الجيل الثاني لخزافي راكو من متويوتومي هيديوشي ((1598-1537، القائد العسكري وحاكم اليابان في ذلك الوقت، ختم الذهب الذي يحمل الرمز الصيني ‘راكو‘، والذي يعني ‘متعة‘. الرمز راكو هو الجزء الأوسط من كلمة جوراكوداي، اسم قصر هيديوشي. تبنى كل الفنانين من عائلة تشوجيرو الاسم راكو ، وأربعة عشر جيلا من فناني راكو مستمرين في استخدام نفس الختم بأشكال مختلفة إلى اليوم.

أوعية الراكو تختلف عن بعضها. هذا الاختلاف يشير إلى التغيير الجذري الذي حصل في نظرة الخزاف ليس فقط كفنان ولكن كفنان الواعي لنفسه كمبدع فردي. بما أنه من السهل نسبيا انتاج أوعية راكو، العديد من الخزافين الذين لا ينتمون إلى سلالة راكو أنتجوها ومنهم رهبان زن وفنانين. لذلك، فإن الاسم راكو-ياكي يُمنح لكل وعاء يُنتج بسرعة ويحرق على نار منخفضة. زبديات الشاي في مجموعة متحف طيكوطين للفن الياباني تحمل أختام تانيو، ابن الجيل التاسع لسلالة راكو، ريونيو، ابن الجيل العاشر، وكيينيو، ابن الجيل الحادي عشر.

خلال حفل الشاي الكثير من الاهتمام مخصص أيضا للفائف المرسومة المعلقة في الـتوكونوما. ويتمثل التحدي في فك المكتوب أو المرسوم في اللوحة وعلاقته مع الحدث. رسومات الحبر التي أعجبت الفنانين اليابانيين كانت من فترة سونغ (960-1279) وبداية فترة مينغ (1368-1644) خلالها تطورت أنماط رسم في الصين بالمونوخروم (أحادية اللون). لوحات الحبر في المعرض، نِتاج ريشة فنانين يابانيين من القرن الـ15 إلى القرن الـ21، هي مثال نموذجي لخضوعهم للمُثُل الصينية في الرسم خلال هذه الفترات. العودة الوفية لتقاليد رسم المناظر الطبيعية لفترة سونج واضحة هنا في المزج بين ضربات الريشة القوية والموضوع الذي يحاكي كل من العاطفة والفكر على حد سواء. على سبيل المثال، مناظر تظهر فيها مساحات من الماء فوقها كوخ معزول، جبال محاطة بالضباب في الخلفية، وعدد من الصخور تبعث مزج بين الصفاء الفكري وبيئة رومانسية. إنه مكان لمشهد هادئ ريفي بعيد عن الحياة اليومية. هناك يسعى المرء للنقاء الطبيعي. المساحات الفارغة في هذه اللوحات تعبر عن الشعور بالعزلة، نموذجية جدا للوحات فترة سونج. رسومات المناظر الطبيعية واقعية جدا وذلك بفضل استخدام المنظور بين الجبال، الأشجار والبشر. مع ذلك، هناك جو درامي تم إنشاؤه بمساعدة الضباب الذي يمنح الشعور بالحجم والمسافة. الواقعية في الرسومات تؤكدها فصول السنة التي تضفي البعد الزمني.

كان نوع آخر من رسومات الحبر الذي تم جلبه الى اليابان تابع لرهبان الزن، وقد سيطرت على الفن الياباني خاصة في القرن الـ14. كانت لوحات الحبر شعبية عند رهبان الزن، الذين لم يكونوا رسامين محترفين. فهي سمحت بتوضيح المراحل التي من شأنها ان تؤدي إلى التنوير الروحي. معلمو الزن رأوا بالسرعة التي بها الفنان يمكن أن يعبر عن رؤيته بالفرشاة والحبر إمكانية تنوير سريع الذي يأتي بعد الجلوس الصامت في التأمل. وقد زعموا أنه يمكن العثور على الحقيقة حتى في اكتشاف طبيعة أشياء تافهة ظاهريا، مثل فرع شجرة، زهرة تتلاشى، وحتى حبة رمل. البحث عن معنى الحياة في جميع جوانبها المتعددة شحذت المشاعر وقدرة  التقييم لدى فناني الزن الصينين واليابانيين على مر الأجيال.

لوحات الحبر لرهبان الزن تنقل نمط إبداع عفوي ظاهريا, والتجريد وتقليص الوسائل هم تحديا لا يقاوم. هذه اللوحات تحاول تجسيد روح الزن بواسطة بضعة أسطر، وبدون حذر موجه، لكن في الحقيقة هم نتيجة لممارسة وتعمق متواصل. بضعة أسطر حبر على خلفية بيضاء ترمز لعالم بأكمله. المساحات الفارغة في هذه اللوحات تلعب دورا هاما لا يقل أهمية عن المساحات المرسومة، لأنه مطلوب من المشاهد أن يكفي بخياله ما أنقصته الخطوط. من بين هذه اللوحات يمكن العثور على بورتريهات رهبان زن مشهورين، وصف موتيفات من فلسفة الزن، خيزران، سحلب، وأكثر من ذلك. حتى أن بعض هذه اللوحات تنجح  بأن تصف بواسطة بعض الرِّشاش وبقع من الحبر، مناظر لطبيعية ضبابية سحرية. تبسيط عناصر المناظر الطبيعية المجردة التي تظهر في بعض هذه اللوحات وجدت مناسبة لاستعراضها في حفل الشاي. يضم المعرض لوحات بالحبر أحادية اللون في اساليب مختلفة، ولكن كل منها تتميز بالقدرة على وصف بضربات الفرشاة، بضع بقع حبر وتدرجات لون لا تعد ولا تحصى، عالم غني وملون.

حاليا هناك ثلاث مدارس، التي تأسست قبل ثلاثة قرون، التي تعلم فن الشاي في اليابان. في حين جماليات الشاي في شكلها التقليدي هي شيء من الماضي، ولكن عبيرها لا يزال يفوح في الثقافة والفن في اليابان المعاصر.

 

د. إيلانه زينجر بلين, الكانزة الرئيسية,  متحف طيكوطين للفنون اليابانية

لشراء التذاكر ومزيد من المعلومات يرجى ترك التفاصيل الخاصة بك